«كل ما تسمعه عن أن أبوظبي تنقذ دبي، أو أن أبوظبي اشترت كذا أو دفعت كذا، كلام يجانب الحقيقة»، بهذه اللغة بادرني مسؤول إماراتي كبير في الحكومة الاتحادية ردا على تساؤلي حول تقارير وكتابات تقول بنجدة أبوظبي لدبي في مواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها. وأضاف: «القصة أن الحكومة الاتحادية في دولة الإمارات العربية المتحدة مسؤولة عن كافة أرجاء الدولة، وتدخّل الحكومة المركزية هنا أو هناك هو واجب بلا منة، ومسؤولية يفرضها الشعور بالوحدة والتلاحم بين كافة الإمارات السبع»، ودلل على زيارة رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لمناطق منكوبة من الفيضانات في مناطق خارج دبي وأبوظبي العام الماضي، مضيفا أن تلك الزيارة تأتي ضمن الالتزام الإماراتي الاتحادي بأنحاء الدولة كافة، وقد قام الشيخ محمد بواجبه كمسؤول إماراتي وليس كحاكم لدبي وحسب.
أسوق هذه المحادثة وسط تراجع اقتصادي عالمي كبير لم يستثن أحدا، ووسط تقارير صحافية عربية وأجنبية لا تخلو من نبرة التشفي ومن لغة أقرب ما تكون إلى الشماتة لأن دبي تعاني تراجعا في أدائها الاقتصادي كباقي دول العالم.
دبي ظاهرة عربية وعالمية، انطلاقتها رؤية ومدادها إصرار ومثابرة. كان المتخاذلون والمترددون ينظرون بانبهار لتلألؤ هذه الظاهرة ويمطون شفاههم حيرة ممزوجة بإعجاب المكابرة: «فقاعة سرعان ما تنفجر». تمر السنون وتستمر دبي في النمو مثيرة الانبهار بما حققته من ازدهار. والخائفون يرددون: «فقاعة ستنفجر».
استطاعت دبي طوال العقود الثلاثة الماضية أن تعمل على أنسنة الصورة العربية، وتشكل حلقة وصل بشرية بيننا كعرب وبين أطراف الكرة الأرضية. الصورة النمطية التي رسمها عنا من لا يودنا تنقلب رأسا على عقب ما أن يطأ الغريب أرض مطار دبي. معاملة في المطار يندر مثيلها، وأمواج بشرية من كافة الجنسيات واللغات والثقافات. في دبي تشعر بأنك إنسان مثل باقي البشر، وبكل فخر تمارس آدميتك في أجواء متنوعة من الحرية والترفيه: هذا مهرجان شعري، وذاك للسينما وآخر للحواسيب، ورابع للموسيقى، وملاعب بهجة مشكّلة للطفل وهكذا.
ملايين من البشر تمر عبر دبي: من مسافر ترانزيت إلى سائح يتسوق أو يتذوق من أصناف لا تعد في المطاعم والمقاهي. رحلة إلى الصحراء، ثم إلى مول الإمارات حيث التزلج على الجليد، شواطئ بحرية نظيفة، وشعور بالأمان وعدالة في تطبيق القوانين.
هذه الروح الجريئة التي تمثلت في دبي تعد مفخرة لكل إنسان، وبالذات العربي الخليجي، وهي روح مقرونة بالتواضع، فدبي - الإمارات وأهلها أناس متواضعون محبون للزوار، ولديهم تسامح في تقبل الآخرين قل نظيره في أي بلد في العالم.
جسدت دبي منجزا لن يتراجع، وشكلت نموذجا للإصرار والتحدي والإيمان بالقدرة على تحقيق الأحلام. والواهمون فقط يعتقدون أن ما أنجزته دبي هو ظاهرة مؤقتة. لكن البنى التحتية بدبي بنيت برؤية بعيدة المدى، تتوقع الصدمات، وسوف تمتصها، تعاني مثل بقية العالم، ولكنها تحمل روحا من التفاؤل على تجاوز الصعاب.
دبي صامدة ومتلألئة للبعيد والقريب، وكساد الجميع يضر بالجميع، وانتعاش الجميع ينتعش منه أهل الجرأة والقرار والبنى التحتية، وهي مميزات توفرت في دبي وستكون وقود الانطلاقة حين يتجاوز الجميع العاصفة.
تشعر بالأسى وأنت في دبي حين تتذكر مدنا عربية عريقة تكسوها الأبخرة، ويعلوها التلوث ويحيط بها الضجيج المرضي. تشعر بالألم منذ أن تطأ قدماك أرض المطار ببعض المدن العربية التي شكلت تاريخ عروبتنا وحضارتنا، تتذكر دبي، فتتذكر منجزا عربيا وشموخا حضاريا هو جزء لا يتجزأ من شموخ الإمارات العربية المتحدة.